يُشكِّل الوجود المسيحي في القدس المحتلة جزءًا من تاريخ وعروبة المدينة وحاضرها، لذلك تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل الممنهجة، لتهجير المسيحيين وتقليص أعدادهم في المدينة، وسرقة أملاكهم، بهدف طمس الهوية المسيحية.

وكما تستهدف سلطات الاحتلال المقدسات الإسلامية في المدينة المقدسة بالتهويد والاستيطان، تلاحق أيضًا المقدسات المسيحية، وتفرض قيودًا على المسيحيين، وممارسة حقهم في العبادة، خاصة في عيد الميلاد المجيد، بالإضافة إلى محاولة الاستيلاء على أملاك للكنائس المسيحية الشرقية، وعلى عقارات باب الخليل.

ويواجه المسيحيون في القدس ضغوطا من المستوطنين المتشددين ومنظماتهم، ويتعرض رجال الدين المسيحيين لمضايقات وإساءات لفظية وجسدية، فضلًا عن فرض الضرائب على الكنائس.

ولم تسلم الكنائس والأديرة من اعتداءات عصابات “تدفيع الثمن” المتطرفة، عبر خط شعارات مسيئة للمسيح وللديانة المسيحية على جدرانها، أو تعمد إحراقها في بعض الأحيان كما حدث مع كنيسة الجثمانية، وكذلك الاعتداء على الكنيسة الرومانية الأرثوذكسية غربي القدس، وإشعال النيران في مدخل الدير المؤدي إلى الكنيسة.

وطالت اعتداءات المتطرفين اليهود مقبرة البروتستانت في “جبل صهيون”، والتي تعرضت لجريمة نبش وتحطيم صلبان وشواهد لأكثر من 30 قبرًا.

وتأسست المقبرة البروتستانتية عام 1848 في “جبل صهيون” بالقدس، وتقع بين بابي النبي داوود وواد الربابة ببلدة سلوان، وتضم قبورًا لشخصيات مسيحية بروتستانتية.

وقال المركز الإسرائيلي لمناهضة العنصرية: إن” تخريب المقبرة البروتستانتية حدث خطير إضافي في سلسلة طويلة ومستمرة من حالات الإرهاب اليهودي الموجه ضد المسيحيين في إسرائيل”.

ونوّه إلى أنه سبق وتم إحراق المباني الدينية المسيحية، وخط العبارات العنصرية على الأديرة والكنائس وممتلكات الكنائس، كما وتم تخريب الرموز الدينية المسيحية، وتم نبش المقابر.

وكان المسيحيون يشكلون ما نسبته 20% من السكان في القدس، والبالغ عددهم 31 ألف عام 1948، لكن اليوم وبفعل سياسات الاحتلال تضاءلت نسبتهم إلى أقل من 2%، وأصبح يبلغ عددهم الآن 10 آلاف فقط، والأرقام آخذة في الانخفاض.

عضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة المقدسات الأب مانويل مسلم يقول إن اعتداءات الاحتلال على المسيحيين في القدس ليست بالجديدة، لكنها مستمرة ومتصاعدة، بهدف تفريغ المدينة من الفلسطينيين المسيحيين.

ويوضح مسلم، في حديث صحفي، أن الصراع مع “إسرائيل” لم يتوقف، والاستهداف الممنهج والمتواصل يطال الكل الفلسطيني مسيحيين ومسلمين، بالإضافة إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة.

ويضيف أن “سلطات الاحتلال في استهدافها للمسيحيين، تريد ضرب مراكز القوى، لأن المسيحي الفلسطيني هو قوة شعبه يملك عنصر الثبات، لأنه إذا بقي الشعب الفلسطيني في أرضه فهو لا يُحول القضية إلى حرب ما بين الإسلام والاحتلال، وإنما تصبح الحرب على شعب”.

ويبين أن “الوجود المسيحي في القدس يضمن للفلسطينيين أن يكونوا شعبًا واحدًا متماسكًا، ويمنعوا أن تكون الحرب دينية على فلسطين، لذلك يستهدف الاحتلال هذا الوجود ويسعى لتفريغه من المدينة المحتلة”.

ويشكل الفلسطيني المسيحي في القدس امتدادًا ليس فقط إعلامي وإنما وجودي، يعتبر كل المسيحيين في العالم عليهم واجب أن يدعموا هذا الوجود في فلسطين. وفق مسلم

ويتابع أن “المسيحي يستقطب طاقة إعلامية واجتماعية وثروة مادية، فالحضور المسيحي يجلب السياحة والمال والدعاية، وأيضًا شعوب مسيحية كثيرة إلى مدينة القدس تُقاتل مع المسيحيين من أجل ثباتهم وصمودهم ووجودهم وحماية كنائسهم وممتلكاتهم”.

ولذلك تسعى سلطات الاحتلال إلى تفريغ المدينة من المسيحيين سواء بالهجرة أو الاستيلاء على كنائسهم وأملاكهم وأراضيهم، من أجل الاستفراد بالمسلمين.

ويتابع “نحن الفلسطينيون بحاجة الآن لإعداد سياسة وإعلام جديد من أجل التصدي للمستقبل وليس للحاضر، وخاصة في ظل حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة والفاشية، وأيضًا بحاجة إلى قيادة فلسطينية جديدة، تتصدي للاحتلال وإجراءاته العنصرية”.

بدورها، أكدت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات أن الوجود المسيحي في القدس يشكل ركنًا أساسيًا من أركان عروبة المدينة المقدسة وإرثها الروحي والثقافي والتاريخي.

وحذرت في بيان سابق، من مخططات الاحتلال المتدحرجة التي يحاول عبرها تقويض الوجود المسيحي في المدينة، من أجل إخراجه من دائرة الصراع، داعية المجتمع الدولي ومجلس الكنائس العالمي لتحمل مسؤولياتهم في الدفاع عن هذا الوجود في الأراضي المقدسة.