كريم الزغيّر

كانَ صباحُ يوم الأربعاء الماضي ضوضائيًا بعدَ عمليتيْ القدس التي لا زال الاحتلالُ مستغرقًا في البحث عن منفذيها، وبموازاة هذا البحث؛ تنتجُ المنظومة الأمنيّة- الاستخباراتيّة للاحتلال روايات متضاربة حول هاتين العمليتين اللتين نُفّذتا ضمن معطيات تحاولُ هذه المنظومة أَنْ تسبر كنهها بتأنٍ ودون استعجال، لكنّ ما انسابَ من قراءة أوليّة؛ هو أنّ هنالك تخطيطًا مُحكمًا خلالَ مدة زمنيّة محدّدة، يُضافُ إلى هذا المعطى؛ الاختراق ذي الاتجاهين، فالاتجاه الأوّل تمثّل؛ بالاختراق الأمنيّ الذي استطاع من خلاله المنفّذون أن يضعوا العبوات المُفخّخة حيثما أرادوا لها الانفجار، أمّا الاتجاه الثاني تمثّل؛ بالاختراق التقنيّ عبر بثّ تسجيلات الكاميرات التي توثّق انفجار العبوات؛ وهو اختراق نفّذه مخترقون إيرانيّون باسم “مجموعة عصا موسى”.

بهاتين العمليتين التي استعادتا الأرشيف الذهنيّ عن الانتفاضة الثانية؛ تتضح ملامحُ الصراع المُحتدم، فمنظومة الاحتلال الأمنيّة لم توجّه اتهامات علنيّة؛ بل اكتفت بالحديث عن خليّة مقدسيّة لها ارتباطات إقليميّة؛ وهو اتهامٌ كافٍ لاستنباط الخطاب الأمنيّ للاحتلال ودلالاته، فإذا كان الاتهام موجّهًا لحماس، وعلى وجه الخصوص، نائب رئيس الحركة صالح العاروري؛ فإنّ هذا الاتهام لا أساس موضوعي له؛ وذلك لأنّ إعادة ترميم العلاقات (الإسرائيليّة- التركيّة) رافقته تفاهمات أمنيّة كانت “حماس” بيت قصيدها، لكنّ اعتقال أحد العمّال من قطاع غزّة بتهمة التخطيط لوضع عبوة مفخّخة، وبحسب زعم الاحتلال؛ فإنّ هذا العامل تمّ تجنيده من قبل حركة الجهاد الإسلاميّ؛ يستثير التساؤلات حول توقيت الإفصاح عن هذه المعلومات: فهل يبتغي الاحتلال من الإفصاح عن هذه المعلومات أن يوجّه اتهامًا ملغّزًا لإيران بتنفيذ هذه العمليّات؟

سؤالٌ لا يستدعي إجابةً آنيّةً، فكما ذكرنا أعلاه؛ هنالك روايات متضاربة قد يروم حائكوها (بعثرة) الأوراق لمآرب أمنيّة- استخباراتيّة، والإيرانيّون يُجيدون الصّمت والكياسة في إدارة صراعاتهم مع الغير؛ وهي صراعات متأجّجة داخل طهران تعتقد السلطات الإيرانيّة أنّ دولًا تنظّمها وتُديرها، وبالعودة إلى عمليتيْ القدس؛ التي استلب كأس العالم الاهتمام بهما؛ فإنّ إرهاصات الصراع الإقليميّ تتمظهر بالعمليّات الخاطفة، والاختراقات الأمنيّة- التقنيّة، وغيرها من الأساليب التي تكشف أنّ هذا الصراع آخذ بالتمدّد الأفقيّ.  

كاتب فلسطيني