هيئة التحرير| وكالة بيت المقدس للأنباء
“يشجب ويدين”، هذا هو الموقف المتكرر للأردن أمام أي تطور عسكريّ، أمنيّ، أو سياسيّ في القدس. كما أن ما أنتجته “مسيرة الأعلام” الأخيرة من مواقف على الصعيدين “الوصاية الهاشمية” والفصائل عامة لا يشفي غليل الفلسطينيين؛ فحالة “الهياج” التي سادت الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي تعبّر عن سخط شعبي من “خوف” الأردن غير المبرر من رفع السقف مقابل الاحتلال، المشهد يزداد هشاشة لما لهاتين الجهتين من دور كبير في القدس.
في هذا المقال نُطِلّ على دور الوصاية الأردنية في القدس وكيفية ممارستها في ظل التصعيد الذي تشهده المدينة.
الأردن… حليف
مهما كان شكل النظام السياسي في الأردن ومخططاته الدولية، يبقى للمملكة مكان متقدم في حسابات “الأمن” الإسرائيلي؛ يرجع ذلك إلى الحدود الطويلة للدولة مع فلسطين المحتلة، مما يُشكّل منطقة عازلة، بالإضافة إلى وصايتها على الأماكن المقدسة في القدس، لذلك فإن من مصلحة “الإسرائيلي” أن يكون الأردن قوياً لما يشكله من “حماية”، وهذا ما يعبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في كتابه “مكان بين الأمم”: “إن أي انهيار أو ضعف للنظام الأردني يمكن أن يؤدي إلى” تغيّر الوضع الاستراتيجي لإسرائيل بين عشية وضحاها “.
عند فهم العلاقة بين” إسرائيل “والأردن بهذا الشكل يمكن استنتاج مواقف الأخير مع كل تصعيد، هذا” الانسجام “بين الطرفين يظهر جليّاً في السياسة الداخلية للكيان الذي يرى الأردن” حليفاً “وليس عدواً، بل هي الحليف الأهم والأمتن في ما يسمى” الشرق الأوسط “، وهذا يظهر أيضاً من خلال التعاون” الاستراتيجي “والاستخباراتي للحفاظ على الحدود. أما الهدوء فيتعزز من خلال نظرة” إسرائيل “إلى الأردن كونه لا يملك قدرات عسكرية كبيرة أو جيشاً يعوّل عليه. وفي المقابل تجد الأردن” إسرائيل “قوتها لنجدة النظام الأردني في مواجهة أي تهديد استراتيجي لما لعبته” إسرائيل “إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية من دور كبير في المحافظة وحماية هذا النظام.” تحالف “يتجلى في التسهيلات التي يقدمها الجانب الأردني في المسجد الأقصى من خلال رفع الرّدم أمام” الزّحف “الإسرائيلي، والتنسيق الأمني الخفي، كما حصل لتهدئة المعتكفين برمضان الماضي، إضافة إلى تخفيض وتقييد ممارسة الحرس نشاطهم ضمن اعتراف غير معلن بسيادة إسرائيلية، كما يبدو أن الأردن تتخوّف من العبث بوصايتها على الأماكن المقدسة، فتحاول أن تمارسها ولو بشكل صوري خاصة بعد” صفقة القرن “التي لم تأتِ على ذكر مصطلح الوصاية الأردنية.
وفيما يتعلق ببعض الخلافات والتباين بين الطرفين، والتي كانت آخرها تصاعد الاشتباك السياسي بين الأردن وحكومة نفتالي بينيت حول السيادة على القدس وتصريحات الأخير في شهر أيار/ مايو الماضي في كون” إسرائيل “هي من تتخذ القرارات المتعلقة بالقدس والأقصى، لا يعدو كونه استهلاكا إعلاميا لإرضاء الرأي العام الساخط على أداء الأردن الهزيل.
الأردن تكبّل الفصائل
اللافت والمتكرر أنه مع كلّ تصعيد في القدس الذي يتنوع بين اعتداءات إسرائيلية من استيطان، إلى اقتحامات متواصلة من قبل المستوطنين، وإغلاق المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه، وأعمال الحفريات أسفل المسجد الأقصى المبارك، وصولاً للمخططات الساعية لتقسيمه زمانياً ومكانياً، هو عبارات الأردن الرسمية بالإدانة والشجب وضرورة احترام” الوضع التاريخي والقانوني “ومعاهدة” السلام “التي تمنح” كلّ طرف حرية دخول الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية. وتحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن. “مع العلم أنه بعد توقيع هذه المعاهدة بعامين ارتكبت” إسرائيل “مجزرة الأقصى الثانية واقتحم رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون المسجد الأقصى، كما استمر مشروع تقسيم الأماكن بين المسلمين واليهود. بالرّغم من كلّ هذه التصعيدات لم يكن للأردن الدور الرادع، بل كانت الهبات الشعبية هي من تحكم وتقيّد الممارسات وتؤجل المخططات الإسرائيلية، فكلما اندلعت انتفاضة تلعب الأردن دور المتفرّج والمحايد، بل في بعض الأحيان تحاول من خلال أدواتها المتمثلة بالوقف الإسلامي بالقدس الالتفاف على وعي الجماهير الغاضبة، كما حصل في معركة البوابات الإلكترونية وفتح باب الرحمة.
وإذا ربطنا الهبّات والتحركات الشعبية بالفصائل فإننا أمام منعطف خطر؛ إذ إن المد والجزر في العلاقة الأردنية – الإسرائيلية تربك الفصائل الفلسطينية المتواجدة في الأرض المحتلة، بما فيها القدس. فرغم نجاح التصعيد العسكري في” سيف القدس “بتثبيت توازن عسكري وقواعد جديدة في الميدان العسكري، إلا أن التحرك السياسي للفصائل والمقاومة الفلسطينية مشوش اتجاه الموقف الأردني بالقدس، بل إن تلك الفصائل لا تأتي على ذكر النظام الأردني بأي عبارة أو حتى تلميح بوجود تقصير أردني بالدفاع عن المسجد الأقصى؛ يرجع ذلك في بداية الأمر إلى نوع من الحرج التاريخي بالصدام مع الأردن، التي تعتبر المنفذ الوحيد للفلسطينيين بالتحرك والسفر وغيرها من الأسباب الكثيرة التي لا يمكن تبريرها.