
أحمد مصالحة – حقوقي ومحامي فلسطيني
ما يحدث في الداخل الفلسطيني المحتل، أهو جرائم اعتيادية؟ أم “ترانسفير” ومخطط آخر لتهجير ما فشل الاحتلال في تهجيره من الفلسطينيين داخل المحتل عام ٤٨ بأساليب أكثر حداثوية خبيثة؟
ما علاقة إصرار الاحتلال على إجبار أمريكا، بلد الفرص والوظائف، على الأقل في عيون الكثيرين ممن أرهقهم القتل اليومي، والبطالة المقنعة ونسبة الفقر المرتفعة في الداخل الفلسطيني، بالسماح لكل من يحمل الجنسية “الاسرائيلية” الحصول على تأشيرة دخول “فيزا” فورية لأمريكا، بما يحدث من جرائم قد باتت تدفع الشباب باتجاه الهجرة الى الخارج بعيدًا عن شبح عصابات الاجرام، وبالذات أن تأشيرة الدخول التي نتحدث عنها كانت تمنح لليهود من حملة الجنسية دون أي عناء على مدار عشرات السنوات الماضية؟ فلمَ يعمل الاحتلال على إخضاع تقديم أمريكا لهذه التسهيلات في الوقت الذي لم يكن يواجه أي عناء كيهودي من زيارة هذا البلد أو حتى العمل فيها؟
لمَ يفعل الاحتلال ذلك، إن لم يكن هدف ذلك تحويل الداخل المحتل الى طنجرة ضغط مليئة بالقتلى، الجرائم اليومية، الفقر، البطالة، انعدام وجود أفق اجتماعي لدى الكثير من الشباب واحتلال مساحات أكبر من بلداننا من خلال تعنته واصراره على عدم الاقرار بالخرائط الهيكلية التي تحدد مساحات وحدود كل بلدة فلسطينية في الداخل المحتل عام ٤٨، ليكون منفس هذه الطنجرة تلك الصفارة والفتحة الصغيرة الضيقة الموجودة في قمتها ليخرج هذا الفلسطيني الذي فقد أمنه وأمانه هاربًا مما يعانيه الى أمريكا التي يحلم الكثيرون بزيارتها والعمل فيها؟
لمَ يقوم الاحتلال بذلك من تحصيل لهذه التسهيلات، رغم وجود قيادة حكومة فاشية لكيانه يقف على رأس هرمها “سموتريش” و”بن غفير”؟
الآن، قد باتت المسألة ملحّة للنظر الى ما يحدث في الداخل الفلسطيني كـ “ترانسفير” وتطهير عرقي جاء مكملًا لما حدث في النكبة، لا سيّما أن النكبة بتجلياتها ما زالت حدثًا وفعلًا مستمرًا لم يتوقف.
خلال السنوات الاخيرة، زادت وتيرة هذا الارهاب الصهيوني، من قتل وتدمير وتطهير عرقي ممنهج في الداخل الفلسطيني، كمشروع مضاد تعمل عليه أذرع الاحتلال المختلفة ردًا على ما حدث قبل عامين ونص، اذ خلصت دراسة الاحتلال لما حدث في هبة أيار المجيدة للعام 2021، إلى ضرورة استخلاص العبر مما حدث، اذ يهدف العدو المقبل لا محالة على حرب قريبة ومشروعه التصفوي الذي تشتد في الداخل المحتل خلال العامين الأخيرين، كما يفعل بالضبط في الضفة الغربية المحتل، لإيجاد الحلول التي تضمن أمن وسلامة جبهته الداخلية الهزيلة، والتي لن تستطيع أن تقف في مواجهة المقاومة الفلسطينية ما لم تجعل هذا المشروع التصفوي في الداخل المحتل أكثر شراسة وما لم تستمر بسياسة الاغتيالات وتصفية أي عمل مقاوم داخل الضفة الغربية، وبالذات أنه لا يفصلها عن الحرب المنتظرة ضد محور المقاومة أو جزء منه سوى سويعات قليلة.
لذا، الآن، وأكثر من أي وقت مضى، وبما أننا على أعتاب انتخابات المجالس المحلية والبلديات، باتت مسؤوليتنا أن نرفع شعارًا مفاده: “أولادنا في خطر”، أولادنا حقيقةً في خطر إن لم نستطع أن نجبر مرشحي الرئاسة في كل بلد على رفع هذا الشعار والعمل وفقه، وذلك من خلال العمل على التخلص من آفة العنف الممنهج، أولادنا في خطر وصوتنا مشروط لمن يرفع هذا الشعار ويعمل على تطبيقه وتنفيذه من خلال مشروعٍ حقيقي، مشروع يتجاوز الدعايات الانتخابية، مشروع يعزز من ثقة مجتمعنا في محاربة هذا المخطط الخبيث.
قد طرحت أسئلة تؤرقني حقيقةً، أسئلة إن لم نعمل على إيجاد أجوبة لها على الاقل والعمل على تطبيقها فإننا بكل أسف سوف نستمر بمشاهدة هذا المسلسل الذي لن يتوقف ما لم نقف وقفة حقيقية، مسلسل نفقد في كل حلقة من حلقاته ولد آخر من أبنائنا.